كلمة الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين
بسم الله الرحمن الرّحيم
الأستاذ رئيس مجمع اللغة العربيّة الأردني
الأساتذة الزّملاء أعضاء المجمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من دواعي غبطتي ومحبتي أن تسند إليّ مهمّة التّرحيب بالزّميل العزيز والصّديق الحبيب الأستاذ زياد صالح الزّعبي الذي انتخبه المجمع الكريم عضوًا عاملًا إلى جانب زميليه الأستاذ فايز عبدالنبي القيسي والأستاذ مأمون حطّاب.
عرفت الأستاذ زياد الزعبي منذ بداية الثمانينيات غضّ الشّباب حين عُيّن محاضرًا متفرّغًا في دائرة اللغة العربيّة وآدابها بجامعة اليرموك عام ١٩٨٢م. إذ تصادف أنْ كنت مديرًا للدائرة وقت تعيينه عام اثنين وثمانين وزمن ابتعاثه عام أربعة وثمانين. وكان قد حصل على درجة الماجستير من الجامعة الأردنيّة في العام نفسه عن رسالته الموسومة بـ”عشيّات وادي اليابس” ديوان مصطفى وهبي التل: دراسة وتحقيق، بإشراف الأستاذ محمود السّمرة. وقد نال هذا العمل الذّيوع والانتشار وطبع غير مرّة في أماكن مختلفة، ولقي من الاحتفاء ما يليق به. وقد لفت الأستاذ الزّعبي إليه الأنظار منذ مطلع شبابه بين زملائه وطلّابه ومجتمعه. ومن الطّبيعي أن نرى مشرفه الأستاذ محمود السّمرة يوصي بتعيينه محاضرًا متفرّغًا في دائرة اللغة العربيّة بجامعة اليرموك. وحين كانت العلاقات متينة بين مؤسسة داد الألمانيّة وجامعة اليرموك ابتُعث الدكتور زياد الزعبي مع نفر من زملائه إلى الجامعات الألمانية عام ١٩٨٤م وكان نصيبه الالتحاق بجامعة جوستوس ليبيج – جيسن ( Justus Leibig Giessen)، وقد تخصّص في النقد العربي القديم، إذ كانت أطروحته بعنوان “العلاقة بين الشعر والنثر في نظرية الأدب عند العرب في العصر الوسيط” فجمع في أطروحتيه للماجستير والدكتوراة بين القديم والحديث، وحرص على أن يغتنم هذه الفرصة الثمينة -أي فرصة وجوده في ألمانيا- ليتعرّف الثقافة الألمانية ويجد القواسم المشتركة بينها وبين الثقافة العربية في إطار اللقاء بين الحضارات، فكانت تجربة غنيّة حرص أن تتعمّق وتمتدّ في دراساته وبحوثه ومحاضراته وكتبه. ومن المصادفات الطيبة أنني كنت قد حصلت على منحة دراسية صيف عام ١٩٨٧م قضيتها في مدينة فرايبورغ، فقررت مع المبتعث إلى جامعة فرايبورغ الأستاذ عيسى العبادي زيارة الدكتور زياد وزميله الدكتور موسى ربابعة في مدينة جيسن بعد حصول كل منهما على درجة الدكتوراة، حيث التقيت المشرف على الرسالة الذي أشاد بإنجاز الدكتور زياد كثيرًا.
كان الدكتور زياد في عمله الجامعي مخلصًا في التدريس محبوبًا ومقدرًا من طلابه على علاقة طيبة مع زملائه، صريحًا في أفكاره ومواقفه لا يتساهل ولا يداجي، حازمًا، يأبى هبوط مستوى التوقّع.
وقد اختار في حياته البحثية الموضوعات التي تثير الأسئلة وتنال قلق الباحثين ولم يكتف بالمتداول والمشهور بين الباحثين والأكاديميين وإنّما سعى إلى البحث في القضايا الجديدة والجادة والإشكالية، تسعفه جديّة الباحث وعمق المثقف ودقة التناول.
وقد خبرته المواقع الإداريّة المختلفة من شغله لكرسي عرار إلى كرسي العمادة ورئاسة التحرير ومشاركته في عضوية اللجان والمجالس والهيئات المختلفة. وتتبدّى مشاركته في خدمة المجتمع على مستويات مختلفة لافتة ًجدًّا.
عمل الأستاذ زياد في عدد من الجامعات والمؤسّسات؛ ما أكسبه خبرة كبيرة، وبنى علاقات علمية مع نفر من رموز الثقافة والتخصص، وأصدر أعمالًا موسوعية مهمة مثل عمله على إصدار وثائق عرار التي جاءت في ستة مجلدات أو ما سمحت له الظروف بإصدارها إلى جانب وثائق صبحي أبو غنيمة في مجلدين، هذه الوثائق التي جلبت له أحيانًا الحسد وبعض المتاعب.
لقد أفاد الأستاذ زياد الزّعبي كما أشرت من اطلاعه على الثقافة الألمانيّة والغربيّة ليقدم دراسات ثقافية ومقارنة في هذا الصّدد، مثلما اهتمّ كثيرًا بالمصطلح النقدي وتعمّق في أعمال النقّاد العرب القدامى، ووقف عند العلاقة بين هؤلاء النقاد وأعمدة النقد اليوناني القديم.
ومن يتأمل سيرة الأستاذ زياد يلحظ كثرة إنجازاته العلمية مفردة وبالاشتراك، مثلما يلاحظ كثرة المؤتمرات التي شارك فيها في أصقاع الدنيا كما يلحظ مشاركته العلميّة الواسعة في الإشراف على الرسائل العلمية لدرجتي الماجستير والدكتوراة، إلى جانب مشاركته الواسعة في مناقشة الرسائل الجامعية في عدد كبير من الجامعات المحلية والعربية.
وليس من شك في أنّ هذه العجالة لا تسمح بالإتيان على جهود الدكتور زياد في شتى المجالات العلمية والإدارية والاجتماعية والثقافية والبحثية والإنسانية.
الدكتور زياد ودود محب محبوب، يألف ويؤلف، كريم الطّباع والخصال ، وفيّ نقي، مؤمن بالقيم العليا، منتمٍ إلى وطنه وأمته، يألم لألمها، ويفرح لفرحها، يتسع قلبه لحبّ الإنسانية. وعلاوةً على ذلك يكتنز الأستاذ الزّعبي طاقة إبداعيّة يكاد يخفيها عن الأنظار في أغلب الأحوال.
وأقول أخيرًا، بكلّ ثقة، والأستاذ زياد هو بالفعل من أعضاء المجمع الذين يسهمون في نشاطاته في أكثر من مجال، إنّه إضافةٌ نوعيّة لأعضاء المجمع العاملين جدير بالتقدير والترحيب به عضوًا فاعلًا بين إخوانه العاملين.
فأهلًا وسهلًا بالدكتور زياد بين إخوته ومحبيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الأستاذ الدكتور زياد الزعبي
الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت الأكرم
رئيس مجمع اللغة العربية الأردني
الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين عضو المجمع المحترم
العلماء الأجلاء أعضاء المجمع الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فإنه لشرف لي أن أنضم إلى هذه النخبة من العلماء الكرام، وأن أعمل بمعيتكم، ومعيتهم في خدمة المجمع، والعمل على رفعة اللغة العربية، والنهوض بها في مجالاتها كافة.
لكن اسمحوا لي بدءًا أن أقدم شكري للأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت رئيس المجمع، وللصديق العزيز الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين الذي قدمني لجمعكم الكريم بلغة تعبر عن نبله، أكثر مما تعبر عما أتمتع به من صفات وخلال. إن ما قاله الدكتور السعافين داع لي لأكون عند حسن ظنكم جميعًا، وأن أبذل ما أستطيع في خدمة المجمع، والعربية، بكل ما أملك من قدرة ومعرفة.
وعلي أيضًا أن أشكر الصديقين الأستاذين الفاضلين الأستاذ الدكتور محمد حور، والأستاذ الدكتور فتحي ملكاوي اللذين رشحاني لعضوية المجمع العتيد. فلهما التحية والتقدير.
اللغة العربية لغة ذات أبعاد كونية، لغة جاوزت أطرها القومية، لتغدو واحدة من اللغات العالمية التي كان لها دور كبير في تطور العلم والمعرفة في العالم كله؛ فهي تضرب بجذورها عميقًا في مدى زمني ممتد، لم يعانِ من انقطاع. لغة امتدت وتمتد على اتساع الجغرافيا العالمية، تاركة بصماتها الكبرى في اللغات والثقافات الأخرى، ومؤثرة على مسارات الحضارات الإنسانية، وهو ما يظهر حين نتابع حضورها في الماضي والراهن في الحقول العلمية والإنسانية في مختلف اللغات والثقافات. لقد جاوزت العربية إطارها القومي؛ لتغدو لغة أمم وشعوب وحضارات انصهرت في بوتقة الحضارة العربية الإسلامية، وشكلت ظاهرة كبرى في إطار اللغات والثقافات الإنسانية.
لقد استطاعت العربية أن تكون لغة العلم والمعرفة قرونًا عديدة، دفعت شعوبًا عديدة إلى ضرورة معرفتها، فهي اللغة التي استطاعت بما تملك من ثراء وقابلية، استقبال علوم الأمم الأخرى، وجعلها خادمة لنسيجها الثقافي وأن تكون بنية لغوية حضارية متميزة؛ فقد ذوبت في أرضها ثقافات: اليونان، والفرس، والهنود وغيرها من الأمم على نحو لا يزال يشكل ميدان بحث، وقراءة في معاهد العالم المعاصر وجامعاته. ويكفي أن نشير هنا إلى معاهد الاستشراق في مشارق الأرض ومغاربها. وهذا ما كرسها لغة ذات طابع كوني.
إن انتكاس الأمة، أي أمة، كان دومًا لانتكاس لغتها وتراجعها، لكن اللغة، على الرغم من هذا، تبقى على قيد الحياة، لأنها تمثل هوية الأمة وروحها، وهو ما يدعو إلى ضرورة بث الروح فيها، وجعلها قادرة على حمل الهوية القومية، وحمل المعرفة بأشكالها كافة، من خلال ترسيخ حضورها في البنى الاجتماعية والعلمية، وفي الحياة العامة أيضًا، وهو هدف تعمل المجامع اللغوية بقوانينها، وأنظمتها، وأعمالها على تحقيقه.
إن العربية اليوم تواجه مأزقًا، أو مآزق صعبة، تمثلها هيمنة العولمة وسطوتها، وتقبل الأمة ولغتها لها، مما جعلها لغة مستقبلة مستهلكة. ولقد أدت ضآلة الوعي بالذات، ولغتها، إلى هجنة لغوية حادة، تبدو في مظاهر الحياة اليومية، وفي الاستعمال المفرط للمفردات والمصطلحات الوافدة من لغات أخرى في الحديث والكتابة، وهو ما يضعنا في مواجهة حال لغوية معبرة عن بنية ثقافية لغوية مستسلمة، دون أن تكون قادرة على تفعيل نظرية التحدي والاستجابة. وهذه الحالات جميعها تجعل عمل المجامع اللغوية عملًا ذا أهمية بالغة، يهدف إلى مواجهتها، أو الحد منها في سبيل رسم ملامح مهمة لأفق، ولوعي لغوي قومي يحد من تغول اللغات الأخرى وتفشيها على نحو غير مقبول فيها.
العلماء الأفاضل،
اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أشير إلى انشغالي بقضايا تتعلق بالعربية راهنًا من خلال متابعتي لأثر الثقافة العربية في أطر العلوم الإنسانية على الثقافة الألمانية بخاصة، عبر عمليات الترجمة من العربية إلى الألمانية على نحو واسع منذ القرن التاسع عشر، وهي عمليات كبيرة تمحورت حول ترجمة النصوص العربية ودراستها. كما أنني مهتم ماضيًا باستقبال العرب للثقافة اليونانية، وتبنيها، وتحويرها، وتعديلها على نحو يخدم الثقافة المستقبلة. لقد اهتممت أخيرًا بكتاب الفيزياء الطبيعية لأرسطو، وأثره الكبير في تشكيل تصورات نقدية نظرية عند النقاد العرب، بدءًا من القرن الثالث الهجري. ولأن هذا المقام لا يسمح بأكثر من هذا، فإني آمل أن تتاح لي الفرصة للحديث عن هذا الانشغال بالتفصيل في قادم الأيام.
أشكركم، وأتمنى لكم التوفيق والنجاح في خدمة العربية والنهوض بها.