جديد الموقع
الرئيسية / غير مصنف

غير مصنف

كلمة الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين

بسم الله الرحمن الرّحيم

الأستاذ رئيس مجمع اللغة العربيّة الأردني
الأساتذة الزّملاء أعضاء المجمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من دواعي غبطتي ومحبتي أن تسند إليّ مهمّة التّرحيب بالزّميل العزيز والصّديق الحبيب الأستاذ زياد صالح الزّعبي الذي انتخبه المجمع الكريم عضوًا عاملًا إلى جانب زميليه الأستاذ فايز عبدالنبي القيسي والأستاذ مأمون حطّاب.
عرفت الأستاذ زياد الزعبي منذ بداية الثمانينيات غضّ الشّباب حين عُيّن محاضرًا متفرّغًا في دائرة اللغة العربيّة وآدابها بجامعة اليرموك عام ١٩٨٢م. إذ تصادف أنْ كنت مديرًا للدائرة وقت تعيينه عام اثنين وثمانين وزمن ابتعاثه عام أربعة وثمانين. وكان قد حصل على درجة الماجستير من الجامعة الأردنيّة في العام نفسه عن رسالته الموسومة بـ”عشيّات وادي اليابس” ديوان مصطفى وهبي التل: دراسة وتحقيق، بإشراف الأستاذ محمود السّمرة. وقد نال هذا العمل الذّيوع والانتشار وطبع غير مرّة في أماكن مختلفة، ولقي من الاحتفاء ما يليق به. وقد لفت الأستاذ الزّعبي إليه الأنظار منذ مطلع شبابه بين زملائه وطلّابه ومجتمعه. ومن الطّبيعي أن نرى مشرفه الأستاذ محمود السّمرة يوصي بتعيينه محاضرًا متفرّغًا في دائرة اللغة العربيّة بجامعة اليرموك. وحين كانت العلاقات متينة بين مؤسسة داد الألمانيّة وجامعة اليرموك ابتُعث الدكتور زياد الزعبي مع نفر من زملائه إلى الجامعات الألمانية عام ١٩٨٤م وكان نصيبه الالتحاق بجامعة جوستوس ليبيج – جيسن ( Justus Leibig Giessen)، وقد تخصّص في النقد العربي القديم، إذ كانت أطروحته بعنوان “العلاقة بين الشعر والنثر في نظرية الأدب عند العرب في العصر الوسيط” فجمع في أطروحتيه للماجستير والدكتوراة بين القديم والحديث، وحرص على أن يغتنم هذه الفرصة الثمينة -أي فرصة وجوده في ألمانيا- ليتعرّف الثقافة الألمانية ويجد القواسم المشتركة بينها وبين الثقافة العربية في إطار اللقاء بين الحضارات، فكانت تجربة غنيّة حرص أن تتعمّق وتمتدّ في دراساته وبحوثه ومحاضراته وكتبه. ومن المصادفات الطيبة أنني كنت قد حصلت على منحة دراسية صيف عام ١٩٨٧م قضيتها في مدينة فرايبورغ، فقررت مع المبتعث إلى جامعة فرايبورغ الأستاذ عيسى العبادي زيارة الدكتور زياد وزميله الدكتور موسى ربابعة في مدينة جيسن بعد حصول كل منهما على درجة الدكتوراة، حيث التقيت المشرف على الرسالة الذي أشاد بإنجاز الدكتور زياد كثيرًا.
كان الدكتور زياد في عمله الجامعي مخلصًا في التدريس محبوبًا ومقدرًا من طلابه على علاقة طيبة مع زملائه، صريحًا في أفكاره ومواقفه لا يتساهل ولا يداجي، حازمًا، يأبى هبوط مستوى التوقّع.
وقد اختار في حياته البحثية الموضوعات التي تثير الأسئلة وتنال قلق الباحثين ولم يكتف بالمتداول والمشهور بين الباحثين والأكاديميين وإنّما سعى إلى البحث في القضايا الجديدة والجادة والإشكالية، تسعفه جديّة الباحث وعمق المثقف ودقة التناول.
وقد خبرته المواقع الإداريّة المختلفة من شغله لكرسي عرار إلى كرسي العمادة ورئاسة التحرير ومشاركته في عضوية اللجان والمجالس والهيئات المختلفة. وتتبدّى مشاركته في خدمة المجتمع على مستويات مختلفة لافتة ًجدًّا.
عمل الأستاذ زياد في عدد من الجامعات والمؤسّسات؛ ما أكسبه خبرة كبيرة، وبنى علاقات علمية مع نفر من رموز الثقافة والتخصص، وأصدر أعمالًا موسوعية مهمة مثل عمله على إصدار وثائق عرار التي جاءت في ستة مجلدات أو ما سمحت له الظروف بإصدارها إلى جانب وثائق صبحي أبو غنيمة في مجلدين، هذه الوثائق التي جلبت له أحيانًا الحسد وبعض المتاعب.
لقد أفاد الأستاذ زياد الزّعبي كما أشرت من اطلاعه على الثقافة الألمانيّة والغربيّة ليقدم دراسات ثقافية ومقارنة في هذا الصّدد، مثلما اهتمّ كثيرًا بالمصطلح النقدي وتعمّق في أعمال النقّاد العرب القدامى، ووقف عند العلاقة بين هؤلاء النقاد وأعمدة النقد اليوناني القديم.
ومن يتأمل سيرة الأستاذ زياد يلحظ كثرة إنجازاته العلمية مفردة وبالاشتراك، مثلما يلاحظ كثرة المؤتمرات التي شارك فيها في أصقاع الدنيا كما يلحظ مشاركته العلميّة الواسعة في الإشراف على الرسائل العلمية لدرجتي الماجستير والدكتوراة، إلى جانب مشاركته الواسعة في مناقشة الرسائل الجامعية في عدد كبير من الجامعات المحلية والعربية.
وليس من شك في أنّ هذه العجالة لا تسمح بالإتيان على جهود الدكتور زياد في شتى المجالات العلمية والإدارية والاجتماعية والثقافية والبحثية والإنسانية.
الدكتور زياد ودود محب محبوب، يألف ويؤلف، كريم الطّباع والخصال ، وفيّ نقي، مؤمن بالقيم العليا، منتمٍ إلى وطنه وأمته، يألم لألمها، ويفرح لفرحها، يتسع قلبه لحبّ الإنسانية. وعلاوةً على ذلك يكتنز الأستاذ الزّعبي طاقة إبداعيّة يكاد يخفيها عن الأنظار في أغلب الأحوال.
وأقول أخيرًا، بكلّ ثقة، والأستاذ زياد هو بالفعل من أعضاء المجمع الذين يسهمون في نشاطاته في أكثر من مجال، إنّه إضافةٌ نوعيّة لأعضاء المجمع العاملين جدير بالتقدير والترحيب به عضوًا فاعلًا بين إخوانه العاملين.
فأهلًا وسهلًا بالدكتور زياد بين إخوته ومحبيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة الأستاذ الدكتور زياد الزعبي

الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت الأكرم
رئيس مجمع اللغة العربية الأردني
الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين عضو المجمع المحترم
العلماء الأجلاء أعضاء المجمع الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فإنه لشرف لي أن أنضم إلى هذه النخبة من العلماء الكرام، وأن أعمل بمعيتكم، ومعيتهم في خدمة المجمع، والعمل على رفعة اللغة العربية، والنهوض بها في مجالاتها كافة.
لكن اسمحوا لي بدءًا أن أقدم شكري للأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت رئيس المجمع، وللصديق العزيز الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين الذي قدمني لجمعكم الكريم بلغة تعبر عن نبله، أكثر مما تعبر عما أتمتع به من صفات وخلال. إن ما قاله الدكتور السعافين داع لي لأكون عند حسن ظنكم جميعًا، وأن أبذل ما أستطيع في خدمة المجمع، والعربية، بكل ما أملك من قدرة ومعرفة.
وعلي أيضًا أن أشكر الصديقين الأستاذين الفاضلين الأستاذ الدكتور محمد حور، والأستاذ الدكتور فتحي ملكاوي اللذين رشحاني لعضوية المجمع العتيد. فلهما التحية والتقدير.
اللغة العربية لغة ذات أبعاد كونية، لغة جاوزت أطرها القومية، لتغدو واحدة من اللغات العالمية التي كان لها دور كبير في تطور العلم والمعرفة في العالم كله؛ فهي تضرب بجذورها عميقًا في مدى زمني ممتد، لم يعانِ من انقطاع. لغة امتدت وتمتد على اتساع الجغرافيا العالمية، تاركة بصماتها الكبرى في اللغات والثقافات الأخرى، ومؤثرة على مسارات الحضارات الإنسانية، وهو ما يظهر حين نتابع حضورها في الماضي والراهن في الحقول العلمية والإنسانية في مختلف اللغات والثقافات. لقد جاوزت العربية إطارها القومي؛ لتغدو لغة أمم وشعوب وحضارات انصهرت في بوتقة الحضارة العربية الإسلامية، وشكلت ظاهرة كبرى في إطار اللغات والثقافات الإنسانية.
لقد استطاعت العربية أن تكون لغة العلم والمعرفة قرونًا عديدة، دفعت شعوبًا عديدة إلى ضرورة معرفتها، فهي اللغة التي استطاعت بما تملك من ثراء وقابلية، استقبال علوم الأمم الأخرى، وجعلها خادمة لنسيجها الثقافي وأن تكون بنية لغوية حضارية متميزة؛ فقد ذوبت في أرضها ثقافات: اليونان، والفرس، والهنود وغيرها من الأمم على نحو لا يزال يشكل ميدان بحث، وقراءة في معاهد العالم المعاصر وجامعاته. ويكفي أن نشير هنا إلى معاهد الاستشراق في مشارق الأرض ومغاربها. وهذا ما كرسها لغة ذات طابع كوني.
إن انتكاس الأمة، أي أمة، كان دومًا لانتكاس لغتها وتراجعها، لكن اللغة، على الرغم من هذا، تبقى على قيد الحياة، لأنها تمثل هوية الأمة وروحها، وهو ما يدعو إلى ضرورة بث الروح فيها، وجعلها قادرة على حمل الهوية القومية، وحمل المعرفة بأشكالها كافة، من خلال ترسيخ حضورها في البنى الاجتماعية والعلمية، وفي الحياة العامة أيضًا، وهو هدف تعمل المجامع اللغوية بقوانينها، وأنظمتها، وأعمالها على تحقيقه.
إن العربية اليوم تواجه مأزقًا، أو مآزق صعبة، تمثلها هيمنة العولمة وسطوتها، وتقبل الأمة ولغتها لها، مما جعلها لغة مستقبلة مستهلكة. ولقد أدت ضآلة الوعي بالذات، ولغتها، إلى هجنة لغوية حادة، تبدو في مظاهر الحياة اليومية، وفي الاستعمال المفرط للمفردات والمصطلحات الوافدة من لغات أخرى في الحديث والكتابة، وهو ما يضعنا في مواجهة حال لغوية معبرة عن بنية ثقافية لغوية مستسلمة، دون أن تكون قادرة على تفعيل نظرية التحدي والاستجابة. وهذه الحالات جميعها تجعل عمل المجامع اللغوية عملًا ذا أهمية بالغة، يهدف إلى مواجهتها، أو الحد منها في سبيل رسم ملامح مهمة لأفق، ولوعي لغوي قومي يحد من تغول اللغات الأخرى وتفشيها على نحو غير مقبول فيها.
العلماء الأفاضل،
اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أشير إلى انشغالي بقضايا تتعلق بالعربية راهنًا من خلال متابعتي لأثر الثقافة العربية في أطر العلوم الإنسانية على الثقافة الألمانية بخاصة، عبر عمليات الترجمة من العربية إلى الألمانية على نحو واسع منذ القرن التاسع عشر، وهي عمليات كبيرة تمحورت حول ترجمة النصوص العربية ودراستها. كما أنني مهتم ماضيًا باستقبال العرب للثقافة اليونانية، وتبنيها، وتحويرها، وتعديلها على نحو يخدم الثقافة المستقبلة. لقد اهتممت أخيرًا بكتاب الفيزياء الطبيعية لأرسطو، وأثره الكبير في تشكيل تصورات نقدية نظرية عند النقاد العرب، بدءًا من القرن الثالث الهجري. ولأن هذا المقام لا يسمح بأكثر من هذا، فإني آمل أن تتاح لي الفرصة للحديث عن هذا الانشغال بالتفصيل في قادم الأيام.
أشكركم، وأتمنى لكم التوفيق والنجاح في خدمة العربية والنهوض بها.


كلمة الأستاذ الدكتور محمد السعودي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والسلام على خير عباده، محمد الصادق الأمين.
الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت، رئيس مجمع اللغة العربية الأردني.
الأساتذة العملاء، أعضاء مجلس مجمع اللغة العربية الأردني.
الأستاذ الدكتور فايز القيسي الأكرم، العضو العامل في مجمع اللغة العربية الأردني.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد،
فباسم الأساتذة الكبار الأجلاء وباسم هذا المجلس العلمي، الناسُ مَوتى وأهلُ العلمِ أحياء، أرحّب بك أستاذاً وعضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية الأردني. وأقدمك اليوم وأنا أعلم من هو د.فايز القيسي، كما هم الأساتذة الذين قدموك لهذه المكانة الشريفة، أعلمك في قاعة الدرس وفي المؤتمرات وفي البحوث المحكمة وفي الرسائل المناقشة وفي الشأن الإداري، أعلم فيك جِدة ثابتة ورأياً نافذاً صادقاً مؤنساً. لقد كنت في هذا كله وقّافاً أوّاباً، وكنت القريب من طلبتك بحوارك وخوفك عليهم أن يخطئوا، فكنت لا ترتضي لهم حتى الزلل، وكنت الصديق والصاحب لزملائك في جامعة مؤتة وجامعة الطفيلة التقنية وجامعة الإمارات العربية والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والجامعة الأردنية وجامعة لندن، كلّهم اتفقوا، مَن صادفت منهم، على كلمة واحدة؛ الدكتور فايز جادّ وَدود.
الأساتذة الكبار:
لقد كرّس الدكتور فايز جهده في الأدب القديم والأدب الأندلسي خاصةً، فنال أدب الرحلات والاغتراب والأدب الأندلسي في الدراسات الشرقية البريطانية وجماليات الخطاب في أحاديث ابن دريد وغيره نصيباً كبيراً من دراساته. ويُحمد للدكتور القيسي أنه من الباحثين الذين أسّسوا للنظر في النص الأدبي الأندلسي نثراً وشعراً، وهذا ما ينقصنا اليوم في دراسة أدبنا القديم، فما عادت الدراسات التاريخية حول النصوص تظهر حقيقة البنى الثقافية والحضارية لأمّتنا. ومن هذا، السرد التراثي في قصية رياض وبياض، وجماليات الخطاب السردي في مقامة محارب وادي آشي. وقد رسّخ هذا النهج في إشرافه على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراة.
وللمكان الذي عاش فيه طفولته نصيب مما كتب، فقد خصّ الحياة الثقافية في مادبا من 1900-2015م بدراسة وافية، وأشرف على أعمالها الثقافية عندما كانت مدينة للثقافة الأردنية، ولا يزال مشاركاً في الندوات العامة التي تنهض بالمجتمع وأهل الفكر والثقافة منه. وقد أسهم الدكتور فايز القيسي في إغناء مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ببعض دراساته، وشارك في مواسمه ومشاريعه؛ وكان آخرها صيف هذا العام 2025م.
واليوم، أنت رفيق هذه الثلة المباركة من العلماء في مجمع اللغة العربية الأردني الذين ينتظرون إضافتك النوعية على أعماله وأن ترفده بهذه التجربة العميقة في خدمة اللغة العربية تأليفاً وبرمجة وترجمة وكثيراً من الدهشة. فقد قال الإمام الشافعي، رحمه الله: العلمُ صيدٌ والكتابةُ قيدُهُ. فأهلاً بك أستاذاً وأخاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
21/9/2025م.

كلمة الأستاذ الدكتور فايز القيسي

بسم الله الرحمن الرحيم

سَعادَةَ الأسْتاذِ الدُّكْتُور مُحمَّد عَدْنان البَخِيْت المُحْتَرَم
رئيسَ مجمعِ اللغةِ العَربيَّةِ الأُرْدُنِي،
السَّادةُ أعضاء مَجْلِسِ المجمَعِ الكِرَام،
يسُرُّنِي أنْ أحييكُم بِمَا أنْتُمْ أهْلٌ لَهُ مِن أحْسَنِ التَحيَّةِ وأطْيبِهَا، فالسَّلامُ عليْكُم ورحْمَةُ اللهِ وبركاتُهُ، وبعدُ، فأرْجُو أنْ تسمحوا لي بأنْ أقُولَ فِي شُكْرِ أخِيْ العزيزِ الأسْتَاذِ الدكتورِ محمد السعودي، عَلى تَقْدِيمِهِ الجَمِيْلِ لِي جَمِيْلًا، وهُو تقْديْمٌ سمَتْ به نفْسِي وعَلَتْ مَشَاعِريْ، لَقَد يسَّرَهُ اللهُ طَالِبًا مُرِيْدًا لِي فِي المَرْحَلَةِ الثَّانيَةِ مِن طلبه العِلْم فِي مُؤتةَ، ثُمَّ أسْتَاذًا زميلًا فِي جامِعَةِ الطَّفيْلةِ التِّقَنِيَّةِ، ثم صَدِيقًا وَفيًّا يَنْقُلُني إلِى سعَادَاتِكُم اليومَ أحاديثَ وأخبارًا وأعمالًا، في بيانٍ لا يُجارى في دُنيا الأدبِ، وأسلوبٍ لا يُبارَى فِي دُنيا القَوْلِ. وأرجو أنْ يكونَ مَا رَآهُ مِن أعْمَالِي زُلفَى لِي عِنْدَ اللهِ أنالُ بها رِضَاهُ. فأجْزَلَ لَك اللهُ يا أخي أبا معاذٍ، الأجرَ والمثوبةَ على طيب وفائك وحسن ظنك.
أَمَّا أَنْتُمْ، أَيُّهَا الأَسَاتِذَةُ الأَجِلَّاءُ، فَيُسْعِدُنِي أَنْ أَنْقُلَ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا أَنَّ قُدْرَتِي تَعْجزُ عَنْ شُكْرِ اِتِّسَاعِ إِحْسَانِكُمْ إِلَيَّ فِي اِنْتِخَابِيّ عُضْوًا عَامِلًا فِي مَجْمَعِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الأُرْدُنِّيِّ، وَسَيَبْقَى لِسَانِي عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ يَلْهَجُ بِالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ عَلَى مَكَارِمُكُمْ الثّرَّة، وَخِلَالكُمْ الحَمِيدَة.
أيها الأَسَاتِذَةُ الكِرَامُ،
إِنَّنِي أُدْرِكُ أَنَّكُمْ مِنْ أَوَّلِيِّ العَزْمِ الصَّادِقِ فِي خِدْمَةِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَآدَابِهَا، وَالِارْتِقَاءِ بِهَا، وَقَدْ عَرَفَتْكُمْ جَمِيعًا مِنْ القَابِضِينَ عَلَى جَمْرِ الصَّبْرِ عَلَى مَا يَنْفَعُ لُغَتَنَا التِي تُمَثِّلُ هُوِيَّةَ الأُمَّةِ الثَّقَافِيَّةَ، وَآخَر حُصُونِهَا التِي لا تَزَالُ عَصِيَّةً عَلَى الانْحِنَاءِ عَلَى الرُّغْمِ مِنْ التَّحَدِّيَاتِ العَاتِيَات التِي تُوَاجِهُهَا، فِي زَمَنٍ تَنْعَى فِيهِ حَظَّهَا بَيْنَ أَهْلِهَا الذِينَ يَنْشَغِلُونَ بِالزَّبْدِ عَنْهَا. وَإِنَّنِي لعَلَى ثِقَةٍ كَبِيرَةٍ فِي أَنَّ مَا حَقَّقَهُ المَجْمَعُ عَلَى أَيْدِيكُمْ مِنْ إِنْجَازَاتٍ عَظِيمَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مَشْهُودَةٍ فِي مَسَالِكِ الأُمَّةِ وَدُرُوبِهَا العِلْمِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ، إِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاس، وَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ؛ وَيَزِيدُ مِنْ اِعْتِزَازِ الأُمَّةِ بِهُوِيَّتِهَا، وَيُسْهِمُ فِي تَحْقِيقِ مُسْتَقْبَلٍ أَفضَلَ لِلْعَرَبِيَّةِ فِي ظِلِّ الصِّرَاعِ الحَضَارِيِّ اللُّغَوِيِّ المُحْتَدِمِ. وَإِنِّي لِأَرْجُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَكُونَ عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّكُمْ جَمِيعًا، وَأَنْ يَمُدَّنِيَ بِالْعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ لِأَكُونَ قَادِرًا عَلَى المُشَارَكَةِ مَعَكُمْ وَبِكَمْ فِي فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ فِي خِدْمَةِ لُغَتِنَا الشَّرِيفَةِ.
أَيُّهَا العُلَمَاءُ الأَفَاضِل،
أَرْجُو أَنْ تَسْمَحُوا لِي بِالْحَدِيثِ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَنْ أَحَدِ المَوْضُوعَاتِ التِي اِنْشَغَلْتُ بِهَا خِلَال العَامَيْنِ الأَخِيرَيْنِ، ويُمْكِنُ أَنْ نَصْطَلِحَ عَلَى تَسْمِيَتِها بِالتَّرْجَمَةِ الفَنِّيَّةِ، وهِيَ عَمَلِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ تُسْهِمُ فِي تَوْسِيعِ مَيَادِينِ التَّرْجَمَةِ لِتَتَجَاوَزَ مَجَالَ التَّرْجَمَةِ اللُّغَوِيَّةِ المُتَعَارَفِ عَلَيْهَا.
وَسَأُرَكِّزُ اليَوْمَ عَلَى تَرْجَمَةِ الفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ إلَى خِطَابٍ لُغَويٍّ مِنْ خِلَالِ التَّطْبِيقِ عَلَى عَدَدٍ مِنْ لَوْحَاتِ الفَنَّانِ الفَرَنْسِيِّ المُسْتَشْرِقِ جَانْ لِيُونْ جِيرُومْ عَنْ الشَّرْقِ، بَعْد أَنْ كُنْتُ قَدْ طَبَّقَتُ ذَلِكَ عَلَى عَدَدٍ مِنْ المُنَمْنَمَاتِ الأَنْدَلُسِيَّةِ فِي دِراسَتِي كِتَابَ بَيَاضٍ وَرِيَاضٍ.
أَيُّهَا الحُضُورُ الكَرِيمُ،
كَمَا تَعْلَمُون يُعَدُّ الاسْتِشْرَاقُ الفَنِّيُّ ظَاهِرَةً فَنِّيَّةً أُورُوبِّيَّةً تَمَثَّلَتْ فِي اللَّوْحَاتِ الفَنِّيَّةِ المُثِيرَةِ وَالْغَريبَةِ وَالْمُدْهِشَةِ عَنْ الشَّرقِ، التي أَنْتَجَهَا تَيَّارٌ مِن الفَنَّانِينَ الْأُورُوبِّيِّينَ المستشرقين، فِي القَرْنِ التَّاسِع عَشَرَ وَأَوَائِلِ القَرْنِ العِشْرِينَ، وتُعَبِّرُ هَذِهِ اللَّوْحَاتُ فِي جُزْءٍ كَبِيرٍ مِنْهَا عَنْ اِفْتِتَانِهم بِسِحْرِ الشَّرْقِ وَبِيئَتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ وَعَادَاتِ أَهْلِهِ وَأَعْرَافِهِمْ وَتَقَالِيدِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَفُنُونِهِم. ويَنْطَوِي هَذَا الافْتِتَانُ وَالْإِعْجَابُ في بعض ألوانه عَلَى عُنْصُرِيَّةٍ وَتَعَالٍ كَبِيرَيْنِ، ذَلِكَ أنَّ الشَّرْقَ كَانَ يُمَثِّلُ فِي ذِهْنِ المُسْتَشْرِقِ تِلْكَ الْمِنْطَقَةَ التِي تُعَانِي حَالَةً مِنْ السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ وَالتَّخَلُّفِ التي أَعْقَبَتْ نَهْضَتَهُ الفِكْرِيَّةَ، وتَحْتَاجُ إِلَى مُسْتَثْمِرٍ أُورُوبيٍّ لَدَيْهِ الخِبْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالتِّقنِيَّةُ.
ولَا تُقَدِّمُ اللَّوْحَةُ الفَنِّيَّةُ الاسْتِشْراقيَّةُ صُوَرِةَ الشَّرْقِيِّ كَمَا هِيَ، بَلْ تَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إِلَى إِسْقَاطِ رُؤْيَةِ الفَنَّانِ الغَرْبِيِّ الذَّاتِيَّةِ عَلَى الشَّرْقِيِّ العَرَبِيِّ المُسْلِمِ، وَهِيَ مُسْتَمَدَّةٌ أَسَاسًا مِنْ ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ أَسَاسِيَّةٍ مُتَوَاشِجَةٍ، هي: الخَلْفِيَّةُ الثَّقَافِيَّةُ لِلْفَنَّانِ الأُورُوبِّيِّ المُسْتَنِدَةُ إِلَى المَرْجِعِيَّةِ الأُورُوبِّيَّةِ، وتَجْرِبَتُه فِي السَّفَرِ إِلَى بِلَادِ المَشْرِقِ وَالتَّنَقُّل بَيْنَ أَمَاكِنِهِ المُخْتَلِفَةِ وَتَفَاعُلِهِ مَعَهَا، ومقدرته الفَنِّيَّةُ فِي تَقْدِيمِ تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ خِلَالِ مَوْقِعِهِ وَزَاوِيَةِ رُؤْيَتِهِ.
ولما كَانَ الفَنَّانُونَ المُسْتَشْرِقُونَ قَدْ تَفَاوَتُوا فِي إخْرَاجِ لَوْحَاتِهِم الفَنِّيَّةِ؛ فقد اِخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أيْضًا فِي طَبِيعَةِ صُورَةِ الشَّرْقِ التِي قَدَّمُوهَا فِي لَوْحَاتِهِمْ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ مُنْصِفًا وَكَانَ بَعْضُهُم الآخَرُ مُتَحَامِلاً، وَكَانَ الوَصْفُ أَدَاةً طَيِّعَةً بَيْنَ أَيْدِي بَعْضِهِمْ يَسْتَعِينُونَ بِهَا لِاطلَاعِ المُشَاهِدِ الأُورُوبِّيِّ عَلَى مَا زَارُوا مِنْ أَمَاكِنَ وَمَا انْطَبَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ مَشَاهِدَ، أَخْرَجُوهَا مِنْ مُخَيَّلَتِهِم وَخَلَّدُوهَا بِرِيشتهِم الفَنِّيَّةِ الرَّقِيقَةِ.
وَشَكَّلتْ لَوْحَاتُ المُسْتَشْرِقِينَ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ خِطَابَاتٍ وَأَعْمَالاً إِبْدَاعِيَّةً تَعْكِسُ صُورَةَ (الشَّرْقِيِّ) الثَّقَافِيَّة فِي تَجَلِّيَاتِهَا المُخْتَلِفَةِ فِي مِرْآةِ الفَنَّانِ المُسْتَشْرِقِ الأُورُوبِّيِّ، ويَسْتَدْعِي ذَلِكَ تَوْظِيفَ آلِيَّاتٍ مُنَاسِبَةٍ وطَرائِقَ مُحَدَّدةٍ لِتَرْجَمَةِ الأَفْكَارِ التِي رَسَمَهَا هَؤلاِء الفَنَّانُونَ فِي لَوْحَاتِهِمْ بِاسْتِخْدَامِ لُغَةِ الفَنِّ المَرْئِيِّ (اللُّغَةِ البَصَرِيَّةِ)؛ لِأنَّهَا تُشَكِّلُ خِطَاباتٍ مَرْئِيًّةً. وَلَا شَك فِي أَنَّ اِخْتِلَافَ الألسُنِ مِنْ فَنٍّ إِلَى فَنٍّ آخَرَ يُتِيحُ لَنَا مَا يُمْكِنُ أَنْ نَصْطَلِحَ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِالتَّرْجَمَةِ الفَنِّيَّةِ التِي تَسْمَحُ بِالتَّرْجَمَةِ مِنْ فَنٍّ إِلَى آخَرَ. وَهِيَ عَمَلِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ تُسْهِمُ فِي تَوْسِيعِ مَيَادِينِ التَّرْجَمَةِ لِتَتَجَاوَزَ مَجَالَ التَّرْجَمَةِ اللُّغَوِيَّةِ المُتَعَارَفِ عَلَيْهَا التِي تَقُومُ عَلَى بِنْيَةٍ ثُنَائِيَّةٍ تَتَمَثَّلُ فِي النَّصِّ الأَصْلِيِّ وَالنَّصِّ المُحَوَّلِ إِلَيْهِ أَوْ النَّصِّ الهَدَفِ.
إِنَّ تَرْجَمَةَ الفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ إلَى خِطَابٍ لُغَويٍّ تَقُومُ عَلَى بِنْيَةٍ ثُلَاثِيَّةٍ تَتَمَثَّلُ فِي: النَّصِّ الأَصْلِيِّ الذِي هو وَاقِعُ الشَّرْقِ الحَقِيقِيُّ، وَالنَّصِّ المُحَوَّلِ إِلَيْهِ أَي اللَّوْحَةِ التَّشْكِيلِيَّةِ الاسْتِشْرَاقِيَّةِ التِي تُشَكِّلُ عَمَلًا فَنِّيًّا مُشَبَّعًا بِالْأَفْكَارِ وَالرُّؤَى وَالدَّلَالَاتِ، وَيُتِيحُ لِلْمُتَلَقِّي أَوْ المُتَرْجِمِ إِمْكَانَاتِ تَأْوِيلٍ كَثِيرَةً، فَهُو يحْمِلُ بَيْنَ عَنَاصِرِهِ وَألوَانِهِ وَظِلَالِهِ رَسَائِلَ فِي قَالَبٍ جَمَالِيٍّ؛ وَالنَّصِّ الجَدِيدِ الذِي يَتَمَثَّلُ فِي القِرَاءَةِ التَّأْوِيلِيَّةِ المَبْنِيَّةِ عَلَى أُسُسٍ وَمَرْجِعِيَّاتٍ ثَقَافِيَّةٍ وَفَنِّيَّةٍ كَثِيرَةٍ لَدَى المُتَلَقِّي المُتَرْجِمِ، ويُحَقِّقُ ذلك لَوْنًا لافتًا مِنْ ألوَانِ التَّرْجَمَةِ بَعِيدًا عَن الجَوَانِبِ الجَمَالِيَّةِ لِلَّوْحَةِ الفَنِّيَّةِ مِنْ جِهَةٍ، وَيَقُودُ إِلَى اِسْتِخْدَامِ التَّرْجَمَةِ وَسِيلَةً لِلتَّلَاقُحِ بَيْنَ الفُنُونِ المَرْئِيَّةِ وَالْمَكْتُوبَةِ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ، ويُسْهِمُ فِي خَلْقِ نُصُوصٍ جَدِيدَةٍ ثَرِيَّةٍ فِي مَعْنَاهَا وَدَلَالَتِهَا وَبُعْدِهَا الإِنْسَانِيِّ، مِنْ جِهَةٍ ثَالثةٍ.
وَلَا شَك فِي أَنَّ هذه التََّرْجَمَةَ الفَنِّيَّة تَسْتَدْعِي إِدْرَاكَ الحَالَةِ الثَّقَافِيَّةِ وَالْخَلْفِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ لِلْفَنَّانِ وَلِلْعَصْرِ الذِي رُسِمَتْ فِيهِ، وقِرَاءةَ العُنْوَانِ الذِي مَنَحَهُ الفَنَّانُ لِلَوْحَتِهِ، بِوصفهِ مِفْتَاحًا أَوْ عَتَبَةً نَصِّيَّةً لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِا قَبْلَ قِرَاءَةِ اللَّوْحَةِ وَتَأْوِيلِهَا حَتَّى تَكُونَ قِرَاءَتُهَا أَكْثَرَ ثَرَاءً وَأَقْرَبَ إِلَى المَدْلُولَاتِ المُرَاد إِيصَالُهَا.
فَالفَنُّ لَيْسَ مُجَرَّدَ إِبْدَاعِ صُوَرٍ وَأَشْكَالٍ وَانْفِتَاحٍ عَلَى فَضَاءاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، إنَّه عَمَلٌ إِبْدَاعِيٌّ يَتَأَثَّرُ بِالسِّيَاقَاتِ التِي نَشَأَ فِيهَا وَيَتَطَبَّعُ بِنَتَائِجِهَا الفِكْرِيَّةِ؛ إنه جُزْء مِنْهَا فَهُوَ فِكْرٌ مَرْئِيٌّ، تَشَرَّبَ جَمَالِيَّةَ الفَنِّ؛ لِهَذَا فَإِنَّ عَلَى المُتَلَقِّي أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا خَلفَ اللَّوْحَةِ الفَنِّيَّةِ مِنْ دَلَالَاتٍ وَمَعَانٍ، وَأَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنْ اللَّوْحَةِ خِطَاباً لُغَوِيًّا، فَالْفَنَّانُ يَسْتَطِيعُ بِلَوْحَتِهِ أَنْ يَرْسمَ أَفْكَارَهُ، وَأَنْ يَمْنَحَهَا لَوْنًا، وَيَهَبَهَا حَيَاةً أُخْرَى، وَشَيْئًا مِنْ الخُلُودِ.
أَيُّهَا الحُضُورُ الكَرِيمُ،
لقَدْ تَبَنَّيْتُ في دِراسَاتِي مَنْهَجَ التَّرْجَمَةِ الفَنِّيَّةِ مِنْ الخِطَابِ التَّشْكِيلِيِّ إِلَى الخِطَابِ اللُّغَوِيِّ مِنْ خِلَالِ التَّطْبِيقِ عَلَى عَدَدٍ مِنْ لَوْحَاتِ الفَنَّانِ الفَرَنْسِيِّ المُسْتَشْرِقِ جَانْ لِيُون جِيرُوم الذِي يُعَدُّ أَحَدَ أَبْرَزِ المُسْتَشْرِقِينَ الذِينَ قَدِمُوا إِلَى الشَّرْقِ العَرَبِيِّ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِن القَرْنِ التَّاسِع عَشَر، فَقَدْ جَابَ أَرْجَاءَ الشَّرْقِ، مِثْلَ مِصْرَ وَبِلَادِ الشَّامِ وَتُرْكِيَا، وَطَافَ بِالْوَاحَاتِ ومرَّ بِالْقُرَى الصَّغِيرَةِ وأقام فِي المُدُنِ الكَبِيرَةِ مثل القاهرة وَدِمَشقَ والقدس وَغَيْرِهَا؛ فَدَوَّن فِي مِئَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ لَوْحَةً فَنِّيَّةً العَادَاتِ وَالتَّقَالِيدَ، ورَسَمَ المَسَاجِدَ وَالْمَآذِنَ وَالأَسْوَاقَ، وَصَوَّرَ مَشَاهِدَ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّة، وَعناصرَ البِيئَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وكان إدوارد سعيد قد اخْتارَ لوحَتَهُ الْمُعَنْوَنةَ بـ(مُلَاعِب الأفَاعِي) لِتَكُونَ لوحَةَ غِلافِ كِتابِهِ الاستشراق في طبعته الأولى.
وكان جيروم قد وَاجَهَ صُعُوبَةً كَبِيرَةً فِي أَمْرَيْنِ هُمَا: رَسْمُ المَرْأَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَمُجْرَيَاتِ حَيَاتِهَا الخَاصَّة، وَطَبِيعَة مَا كَانَ يُمَارَسُ دَاخِلَ الْأَمَاكِنِ الدِّينِيَّةِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْمُصَلّيَاتِ وَالزَّوَايَا وَالْأَضْرِحَةِ مِنْ شَعَائِرَ وَطُقُوسٍ، لقَدْ تَضَمَّنَتْ بَعْضُ لَوْحَاتِه مشَاهِدَ تُوحِي بِعَجَائِبِيَّةِ مُمَارَسَةِ شَعَائِرِ العِبَادَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَغَرَائِبِيَّتِهَا، وَعَدَمِ مَعْقُولِيَّتِهَا وَعِصْيَانِهَا عَلَى الفَهْمِ. كَمَا يتَجَلَّى فِي لَوْحَةِ (الدَّرَاوِيش الدَّوَّارِين)، التِي تُقَدِّمُ مَجْمُوعَةً مِنْ دَرَاوِيشِ المَوْلَوِيَّةِ الرِّفَاعِيَّةِ فِي حَضْرَةٍ فِي جَامِعِ الرِّفَاعِي الذِي يَقَعُ فِي المَقْبَرَةِ الشَّرْقِيَّةِ فِي القَاهِرَةِ، فَاللَّوْحَةُ َتَتَضَمَّنُ أُنَاسًا يَجْتَمِعُونَ بِمَلَابِسِهِمْ البَالِيَةِ الغَرِيبَةِ، يُطَوِّحُونَ بِرُؤُوسِهِمْ وَيَتَحَلَّقُونَ حَوْلَ رَجُلٍ يَدُورُ بِثَوْبِهِ العَرِيضِ، مَجْذُوبينَ، مَمْسُوسِينَ، لَاهِينَ، بَعِيدِينَ عَن الحَيَاةِ المَادِّيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ التِي تُثْقِلُ الغَرْبِيَّ. وَقَدْ أَغْنَى جِيرُومْ التَّفَاصِيلَ فِي هَذِهِ اللَّوْحَةِ حَتَّى يُؤَكِّدَ عَلَى هَذَا التَّمَايُزِ بَيْنَ الشَّرْقِ الإِسْلَامِيِّ وَالْغَرْبِ المَسِيحِيِّ فِي إِقَامَةِ الشَّعَائِرِ وَالِاحْتِفَالَاتِ الدِّينِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ. وَلَعَلَّ مَا يُؤَكِّدُ هَذِهِ الغَرَابَةَ هُوَ تَزْيِينُهُ لِمَكَانِ العِبَادَةِ بِالْأَسْلِحَةِ مثل البَنَادِقِ وَالسُّيُوفِ، وَالْفُؤُوسِ، حَتَّى يَبْدُوَ الشَّرْقُ مَكَانَ المُتَنَاقِضَاتِ؛ حِينَ يَجْتَمِعُ السِّلَاحُ مَعَ العِبَادَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَكَأَنَّ الدِّينَ وَالْعُنْفَ جُزْءَانِ يُكْمِلُ بَعْضُهُمَا بَعْضًا فِي الشَّرْقِ. أَمَّا الأَدَوَاتُ المُوسِيقِيَّةُ مِنْ دُفُوفٍ وَرَبَابَةٍ وَنَايٍ وَغَيْرِهَا فَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنْ تِلْكَ المُسْتَخْدَمَةِ فِي تَأْدِيَةِ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ فِي الكَنَائِسِ الغَرْبِيَّةِ. إِنَّ طَرِيقَةَ العِبَادَةِ فِي الشَّرْقِ -كَمَا تَقُولُ اللَّوْحَةُ- التِي تَقُومُ عَلَى شَبُوبٍ عَاطِفِيٍّ نَحْوَ الصُّوفِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَنَحْوَ الأَسْرَارِ وَاللَّامَعَقُولِيَّةِ تَجْعَلُهَا عَصِيَّةً عَلَى الفَهْمِ، وَفِي ذَلِكَ سِرُّ فِتْنَتِهَا وَغَرَابَتِهَا، وَهِيَ بِذَلِكَ تُخَالِفُ طَبِيعَةَ عِبَادَةِ الغَرْبِ الذِي سَيْطَرَتْ عَلَيْهِ المَادِّيَّةُ.
وَيُؤَكِّدُ جِيرُوم فِي بَعْضِ لَوْحَاتِهِ ذاتِ الصلة بالمُمَارَسَاتِ الدِّيْنيةَِّ عَلَى مَلَامِحِ الْجُمُودِ وَالتَّخَلُّفِ وَالْجَهْلِ وَعَدَمِ العَقْلَانِيَّةِ التِي تُسَيْطِرُ عَلَى ذِهْنِيَّةِ النَّاسِ فِي الشَّرْقِ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ بِالخُرَافَاتِ وَالْأَسَاطِيرِ وَالتَّبَرُّكِ بِالْأَوْلِيَاءِ. واتَّخَذَ جِيرُوم مِنْ عَالَمِ النِّسَاءِ أَوْ الحَرِيمِ مَدْخَلًا مَوْضُوعِيًّا لِلْوُلُوجِ إِلَى عَالَمِ الشَّرْقِ وَاسْتِكْشَافِ عَوَالِمِهِ الغَامِضَةِ، فَتَكَرَّرَتْ فِي أَعْمَالِهِ صُوَرُ النِّسَاءِ الشَّرْقِيَّاتِ غَيْرِ الْمُحْتَشِماتِ فِي أسْوَاقِ الجَوَارِي، وَفِي الحَمَّامَاتِ العَامَّةِ، ومَجَالِسِ الرَّقْصِ وَالْغِنَاءِ وَالْمَقَاهِي وَغَيْرِهَا، وَغَدَتْ لَدَيْهِ نَمَطًا مُتَكَرِّرًا لِتَرْسِيخِ تِلْكَ الصُّورَةِ الْتي رَسَمَهَا الْغَربُ في مُخَيِّلتِهِ للْمَرْأَةِ الْشَرْقِيَّةُ التِي تَبْدُو فِيهَا كَائِنًا مُنْعَزِلًا مَحْدُود المَفَاهِيمِ لَا يَحْمِلُ سِوَى الإِغْرَاءِ وَالْإِمْتَاعِ وَالْغوَايَةِ.
واتَّخَذ جِيرُوم تَصْوِيرَ مَشَاهِدِ الرَّقْصِ الشَّرْقِيِّ وَسِيلَةً لِلتَّعْبِيرِ عَن الرُّؤْيَةِ الغَرْبِيَّةِ لِصِفَاتِ الشَّرْقِ المُتَهَتِّكِ الذِي يُمَارِسُ أَبْنَاؤُهُ أَعْمَالًا غَيْرَ مُحْتَشِمَةٍ، وَإبْرَازِ اِخْتِلَافِ هَذَا الرَّقْصِ الدِّرَامِيِّ الَّذيْ يَهْدِفُ بِالدَّرَجَةِ الأُولَى إِلَى إِرْضَاءِ المُشَاهِدِ الذِي لَا يُشَارِكُ فِي الرَّقْصِ، بَلْ يَجْلِسُ لِيُمْعِنَ النَّظَرَ فِي المَرْأَةِ الرَّاقِصَةِ التِي تَبْدُو الوَحِيدَةَ التِي تَرْقُصُ وَمُعْظَمُ مَنْ حَولَهَا يُشَاهِدُونَهَا وَيَتَأَمَّلُونَ حَرَكَاتِهَا المُثِيرَةَ، وَهُو يَخْتَلِفُ عَنْ الرَّقْصِ الغَرْبِيِّ الَّذي يَبْدو نَوْعًا مِنْ النَّشَاطِ الاجْتِمَاعِيِّ.
وَلَمَّا كَانَ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَى جِيرُوم تَصْوِيرُ الرَّقْصِ الشَّعْبِيِّ الحَقِيقِيِّ المُحْتَشِمِ عِنْدَ المَرْأَةِ، بِحُكْمِ تَقَالِيدِ المُجْتَمَعِ الْشَرْقِيِّ وأعْرَافِهِ، فَقَدْ رَاحَ يَبْحَثُ عَنْ نَمَاذِجَ بَدِيلَةٍ فِي “المَقَاهِي وَالْحَفْلَاتِ الخَاصَّةِ التِي كَانَ يُدْعَى إِلَيْهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ”، وَتَرْجَمَ مِنْ خِلَالِهِا مَا أَمْلَتْهُ إِيمَاءَاتُ بَنَاتِ الهَوَى، وَقَدَّمَ صُوَرًا عَنْهُ لَا تَخْلُو مِنْ المَعْنَى الجِنْسِيِّ الذِي اقْتَرَنَ بِالْخَلَاعَةِ فِي الأَذْهَانِ، وَهي فِكْرَةٌ كَانَتْ قَدْ تَرَسَّخَتْ فِي الخَيَالِ الغَرْبِيِّ، وأصْبَحَتْ شَكْلًا مِنْ الإِغْرَاءِ وَالْإِمْتَاعِ وَالْغوَايَةِ؛ مَا جَعَلَ لَوْحَاتِ الرَّاقِصاتِ تُعرِّضُ صُورَةَ اِمْرَأَةِ الآخَر لِلتَّحْرِيفِ، بُغْيَةَ تَقْدِيمِ صُورَةٍ لَافِتَةٍ لِلْغَرْبِيِّينَ عَلَى حِسَابِ تَزْيِيفِ الْوَاقِعِ وَتَشْوِيهِ العَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ.
وتقدم أَغْلَبُ لوْحَاتِ جِيرُوم المَرْأَةَ الشَّرْقِيَّةَ مُتَحَرِّرَةً مِن القُيُودِ الأَخْلَاقِيَّةِ، مِنْ خِلَالِ تَصْوِيرِهَا عَارِيَةً، وَتَجْرِيدِهَا مِن اللِّبَاسِ الذِي يَسْتُرُهَا أَوْ بِلِبَاسٍ يَحْمِلُ إِيحَاءَاتٍ غير مهذبة، إِضَافَةً إِلَى أَنَّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ يَظْهَرْنَ فِي مَلَامِحَ غَيْرِ شَرْقِيَّةٍ؛ مِمَّا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ جِيرُوم لَجَأَ إِلَى بَدَائِلَ أُخْرَى لِتَصْوِيرِ المَرْأَةِ الشَّرْقِيَّةِ، فَاعْتَمَدَ عَلَى نَمَاذِجَ نِسَائِيَّةٍ غَرْبِيَّةٍ أَوْ نَمَاذِجَ مُزَيَّفَةٍ، وَصوَّرَهَا فِي مَرْسَمِهِ فِي بَارِيس، وَقَدْ أَسْهَبَ فِي اِسْتِخْدَامِ هَذِهِ الحِيلَةِ الفَنِّيَّةِ فِي عَدَدٍ مِنْ لَوْحَاتِه.
ويعني ذلك أنَّ تَصْوِيرَ جِيرُوم لِلْحَرِيمِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَانَ تَصْوِيرًا خَيَالِيًّا كَامِنًا فِي ذِهْنِهِ لَا عَلَاقَة لَهُ بِنِسَاءِ الشَّرْقِ الحَقِيقِيِّ، ولَا يَعْكِسُ الحَقَائِقَ وَالوَقَائِعَ. فَهُوَ عَلَى الرُّغْمِ مِنْ زِيَارَاتِهِ المُتَعَدِّدَةِ لِتُرْكِيَا وَمِصْرَ والْشَامِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ صُورَةِ الشَّرْقِ الكَامِنِ فِي ذِهْنِهِ، مَا أَطْلَقَ العِنَانَ لِمُخَيِّلَته.
وَبعْدُ، فأنتهي إلَى الْقوْل، إنَّ عَمَلِيَّةَ التَّرْجَمِةِ الْفَنيَّةِ مِنْ الخِطَابِ التَّشْكِيلِيِّ إِلَى الخِطَابِ اللُّغَوِيِّ التي تَبَنّتْهَا هَذِهِ الدِّرَاسَةُ وطّبَّقْتهَا عَلَى نَماذِجَ مُخْتَارَةٍ مِنْ لَوْحَاتِ الفَنَّانِ الفَرَنْسِيِّ جِيرُوم عَن الشَّرْقِ، وتَمَثَّلتْ فِي القِرَاءَةِ التَّأْوِيلِيَّةِ المَبْنِيَّةِ عَلَى أُسُسٍ وَمَرْجِعِيَّاتٍ ثَقَافِيَّةٍ وَفَنِّيَّةٍ كَثِيرَةٍ، تُشيرُ إلى أنَّ هَذَا الَّلوْنَ مِنْ الْقِراءَةِ يُوسِّعُ آفاق التَّرْجَمَةِ، وَيَقُودُ إِلَى اسْتِخْدَامِها وَسِيلَةً لِلتَّلَاقُحِ بَيْنَ الفُنُونِ المَرْئِيَّةِ وَالْمَكْتُوبَةِ. كما يُسْهِمُ فِي تَمْكِيْن المُتلَقِّي أَوْ المُتَرْجِمِ من الْكَشْفِ عمَّا يَنْتَابُ بَعْض الأَعْمَالِ الْفَنِّيَّةِ من التَّزْييْفِ والاصْطِنَاعِ مِنْ جِهَةٍ، ويُمَّكِّنه مِنْ إعَادَةِ بِنَاءِ صُورَةِ الْأَنَا الثَّقَافِيَّةِ وِفْقَ التَّصَوُّر الصَّحِيحِ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ.
أيُّها السَّادَةُ الكِرامُ، أشْكُرُكُم عَلى حُسْنِ اسْتِماعِكُم.

كلمة الأستاذ الدكتور عبدالمجيد نصير

الزملاء الكرام-أعضاء مجمع اللغة العربية الأردني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو إليكم، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله.
فإنه ليسعدني أن أقدّم إليكم اليوم شخصية جمعت بين الخبرة العملية في مجال حوسبة اللغة العربية وتطبيقاتها الرقمية والبحث العلمي لتطويع التقنية في خدمة اللغة. الأستاذ مأمون الحطاب الذي تخرّج في جامعة الكويت عام 1984م حاملاً درجة البكالوريوس في العلوم، بتخصص الفيزياء وعلوم الحاسب الإلكتروني. ومنذ بدايات مسيرته المهنية أظهر اهتمامًا بالغًا بالجمع بين المعرفة النظرية والابتكار التقني، الأمر الذي أهّله لتأسيس وإدارة شركة متخصصة في حوسبة اللغة العربية.
ومنذ العام 1995م، انخرط الأستاذ الحطاب في مسار بحثي وتطبيقي متواصل هدفه الرئيس تطوير حلول تقنية تُسهم في إدخال اللغة العربية إلى فضاء المعرفة الرقمية. وقد أرسى مجموعة من أنظمة البنية التحتية الأساسية لحوسبة العربية، شملت: المحلل الصرفي، والمترجم الآلي لمصطلحات الأعمال، والمترجم العربي لطريقة برايل، والمدقق الإملائي، والمحلل النحوي. وهي من اللبنات الضرورية التي ساعدت على تهيئة البيئة التقنية للغة العربية.
ولم يقف عند الجانب التأسيسي، بل امتد نشاطه إلى التطبيقات العملية الموجهة إلى المستخدمين. فطوّر محرك البحث العربي، إلى جانب تطبيقات تواصل وترجمة مثل (Planet Chat)، وتطبيق (Khutbah.tech) لترجمة الخطب وإيصالها إلى جمهور عالمي، إضافةً إلى منصة (Subtitles.tech) التي تتيح إدماج الترجمة في المواد المرئية.
وعلى صعيد آخر، أسهم الأستاذ الحطاب في عدد من المشاريع ذات الطابع المجتمعي، لعل من أبرزها: مشروع طباعة المصحف الشريف بطريقة برايل، ومشروع طباعة المناهج المدرسية للطلبة المكفوفين، وكذلك تطوير محرك بحث خاص بالتشريعات وقرارات المحاكم الأردنية. وهي مبادرات تعكس حرصه على توظيف التكنولوجيا لخدمة المعرفة والعدالة وحقوق الفئات المهمشة.
وفي المجال البحثي، ساهم في إعداد مشروعات دراسات اللجنة الوطنية الأردنية للنهوض باللغة العربية نحو مجتمع المعرفة، إلى جانب عدد من الأبحاث المنشورة التي تناولت قضايا المعالجة الحاسوبية للغة العربية، ومنها اللغة العربية في القضاء الأردني وكليات الحقوق في الجامعات الأردنية، اللغة العربية في ميدان التواصل على شبكة الإنترنت والهاتف المحمول، ودليل الأبحاث المنشورة لحوسبة اللغة العربية. كما نشر أبحاثًا علمية في مجلات ومؤتمرات دولية حول النماذج الاحتمالية للجذور والأوزان العربية، والتحليل الصرفي العربي، وتقنيات البحث باللغة العربية.
وله مساهمات في عدد من المؤتمرات المحلية والمواسم الثقافية لمجمع اللغة العربية الأردني بأوراق بحثية حول حوسبة اللغة العربية وتطبيقاتها. وهو خبير دائم في لجنة اللغة العربية والتكنولوجيا، إحدى لجان هذا المجمع، ويساهم في تقديم أفكار ومشروعات هذه اللجنة. فضلًا عن مشاركاته في مؤتمرات عالمية منذ مطلع الألفية، كالمؤتمرات الدولية للغات الطبيعية التابعة للرابطة العالمية للغويات الحاسوبية، ومؤتمرات (IEEE) المتخصصة في تقنيات الحوسبة والاتصالات.
إن مسيرة الأستاذ مأمون الحطاب تمثل نموذجًا للتكامل بين البحث والتطبيق العملي، وبين خدمة المجتمع والابتكار التقني. فهي مسيرة تُظهر بجلاء كيف يمكن للغة العربية أن تتفاعل مع مستجدات العصر الرقمي، وأن تجد لها مكانًا فاعلًا في فضاء المعرفة العالمي إذا ما اقترنت بالإرادة والخبرة والرؤية الواضحة.

كلمة الأستاذ مأمون الحطّاب

الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت
رئيس مجمع اللغة العربية الأردني
أَصْحَابَ الْمَعَالِي وَالسَّعَادَةِ أَعْضَاءَ المَجْمَعِِ،
أُسَاتِذَتِي الْكِرَام، وَزُمَلَائِي الْأَفَاضِل،
السَّلَامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،
أَقِفُ الْيَوْمَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مُمتَنًّا وَمُتَوَاضِعًا أَمَامَ هَذَا الْقَرَارِ الْكَرِيمِ بِانْتِخَابِي عُضْوًا فِي هَذَا الصَّرْحِ الْعَرِيقِ. إِنَّهُ تَشْرِيفٌ يَسُرُّ الْقَلْبَ، وتَكْلِيفٌ يُحَمِّلُ الضَّمِيرَ مَا نرجو فيه عَوْنَ اللَّهِ ثُمَّ سَنَدَكُمْ. وأنا الذي نَشَأْتُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ أَدَاةٍ لِلتَّوَاصُلِ، بَلْ أُفُقاً لِلْوُجُودِ: بِحُدُودِهَا تَتَّسِعُ رُؤْيَتُنَا لِلْعَالَمِ أَوْ تَضِيقُ، وَبِسَلَامَةِ بَيَانِهَا يَسْتَقِيمُ الْفِكْرُ وَيَزْكُو الْوِجْدَانُ.
أَيُّهَا الْأَفَاضِلُ،
لَسْتُ الْيَوْمَ أَمَامَ عَمَلٍ بُرُوتُوكُولِيٍّ يُضَافُ إِلَى السِّيرَةِ الذّاتيةِ، بَلْ أَمَامَ عَهْدٍ مَعْرِفِيٍّ أجَدِّدُ بِهِ الْتِزَاميَ أَنْ تَكُونَ الْعَرَبِيَّةُ حَيَّةً فَاعِلَةً فِي زَمَنٍ صَارَ فِيهِ الْوَسِيطُ الْخَوَارِزْمِيُّ يَكْتُبُ عَنَّا، وَيَقْتَرِحُ لَنَا نَبْرَةً وَسَرْدًا، وَقَدْ يُوَجِّهُ خَيَالَنَا الْجَمْعِيَّ مِنْ حَيْثُ نَشْعُرُ أَوْ لَا نَشْعُرُ. وَمِنْ هُنَا فَإِنِّي أَتَلَقَّى هَذَا الِانْتِخَابَ عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِثَلَاثَةِ مَقَامَاتٍ:
أَوَّلًا: مَقَامُ الْخِدْمَةِ الْعِلْمِيَّةِ.
خِدْمَةُ الْعَرَبِيَّةِ عِلْميًّا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى تَحْقِيقِ النُّصُوصِ وَتَقْعِيدِ الْقَوَاعِدِ، بَلْ تَمْتَدُّ إِلَى بِنَاءِ أَدَوَاتٍ حَدِيثَةٍ تُعِينُ الدَّارِسِينَ وَالطُّلَّابَ وَالْمُجْتَمَعَ. وإِنَّني أرى أن وَاجِبَنَا الْيَوْمَ أَنْ نُطْلِقَ مَسَارَاتٍ عَمَلِيَّةً تُبْقِي اللُّغَةَ فِي قَلْبِ الْحَيَاةِ: مُدَوَّنَاتٍ لُغَوِيَّةً مُوَثَّقَةً، وَمِنَصَّاتٍ مُعْجَمِيَّةً مَفْتُوحَةً، وَمَعَايِيرَ دَقِيقَةً لِتَقْوِيمِ النُّصُوصِ الْمُوَلَّدَةِ آلِيًّا بِالْعَرَبِيَّةِ. فَسَلَامَةُ النَّحْوِ وَالصَّرْفِ جُزْءٌ مِنَ الصُّورَةِ، أَمَّا اكْتِمَالُهَا فَبِأَنْ نَحْفَظَ رُوحَ النَّصِّ وَمَرْجِعِيَّتَهُ.
ثَانِيًا: مَقَامُ الْوَصْلِ بَيْنَ التُّرَاثِ وَالْمُسْتَقْبَلِ.
التُّرَاثُ لَيْسَ مُتْحَفًا نُطَالِعُ فِيهِ الْمَاضِيَ، بَلْ هو رَافِعَةٌ مَعْرِفِيَّةٌ نُدِيرُ بِهَا الْحَاضِرَ وَنَبْنِي بِهَا الْآتِي. وعَلَيْنَا أَنْ نَقْرَأَ الْقَدِيمَ بِعُيُونٍ مُعَاصِرَةٍ، وَأَنْ نُدْخِلَ نِتَاجَنَا الْيَوْمَ فِي سِلْسِلَتِهِ الممتدةِ مِنْ بَيْتِ الْحِكْمَةِ إِلَى منْصَّاتِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ. وَإِذَا كَانَتِ الْمَطَابِعُ قَدْ نَقَلَتِ الْعَرَبِيَّةَ مِنَ الْمَخْطُوطِ إِلَى الْمَطْبُوعِ، فَإِنَّ وَاجِبَ جِيلِنَا أَنْ يَنْقُلَهَا مِنَ الْوَرَقِ إِلَى الْخَوَارِزْمِية، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَفْقِدَ حَرَارَتَهَا الْإِنْسَانِيَّةَ.
ثَالِثًا: مَقَامُ السِّيَادَةِ الْمَعْرِفِيَّةِ (صِيَاغَةُ سَرْدِيَّتِنَا بِامْتِلَاكِ تِقْنِيَّتِنَا).
إِنَّ أَخْطَرَ مَا فِي زَمَانِنَا لَيْسَ وَفْرَةَ الْأَدَوَاتِ، بَلْ أَنْ نَسْتَعْمِلَ أَدَوَاتِ غَيْرِنَا فَنَسْتَعِيرَ مَعَهَا سَرْدِيَّتَهُمْ، وَنَسْمَحَ، مِنْ حَيْثُ لَا نَقْصِدُ، بِأَنْ تُصَاغَ رُؤْيَتُنَا لِلْعَالَمِ بِغَيْرِ لِسَانِنَا وَمَرْجِعِيَّتِنَا. والسِّيَادَةُ الْمَعْرِفِيَّةُ هُنَا لَيْسَتْ لَائِحَةً تَقْنِيَّةً بِمَا يَنْبَغِي امْتِلَاكُهُ تَفْصِيلًا، بَلْ هِيَ مَبْدَأٌ مُوَجِّهٌ: أَنْ تَكُونَ تِقْنِيَّتُنَا امْتِدَادًا لِوَعْيِنَا، وَأَنْ تَكُونَ سَرْدِيَّتُنَا مِنْ صُنْعِنَا لَا مَنْقُولَةً إِلَيْنَا. فَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَصْحَابَ تِقْنِيَّةٍ تُنْطِقُ الْعَرَبِيَّةَ بِرُوحِهَا وَتَارِيخِهَا وَتَعَدُّدِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَظَلَّ الْعَرَبِيَّةُ، عِنْدَ غَيْرِنَا، ظِلًّا لُغَوِيًّا بِلَا عُمْقٍ دَلَالِيٍّ. لِذَلِكَ، أُجَدِّدُ الْعَهْدَ أَنْ أَعْمَلَ، مَعَكُمْ وَبِكُمْ، عَلَى أَنْ تَكُونَ خَيَارَاتُنَا التِّكْنُولُوجِيَّةُ خَادِمَةً لِسَرْدِيَّتِنَا لَا الْعَكْسَ؛ وَأَنْ نُحْسِنَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ التِّقْنِيَّةَ لِيُعَبِّرَ عَنْ ذَاتِهِ، وَمَنْ تَسْتَعْمِلُهُ التِّقْنِيَّةُ لِتُعِيدَ تَشْكِيلَ ذَاتِهِ.
يَا سَادَتِي الْأَكَارِمَ،
إنَّ تَقْوِيمَ الْأَدَاءِ الْآلِيِّ بِالْعَرَبِيَّةِ يَقْتَضِي بُعْدَيْنِ مُتَكَامِلَيْنِ: بُعْدًا شَكْلِيًّا/تِقْنِيًّا يَزِنُ التَّمَاسُكَ وَالدِّقَّةَ وَمُعَدَّلَاتِ الْهَلْوَسَةِ وَفَهْمَ اللُّهَجَاتِ، وَبُعْدًا حَضَارِيًّا/مَعْنَوِيًّا يَخْتَبِرُ الْوَفَاءَ الثَّقَافِيَّ وَالْحَسَّاسِيَّةَ الدِّينِيَّةَ وَالْأَصَالَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ وَشَخْصِيَّةَ نَّمُوذَجِ الذكاء الاصطناعي. وَأَرَى أَنَّ مَجْمَعَنَا قَادِرٌ عَلَى تَحْوِيلِ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ إِلَى مَرْجِعِيَّةٍ عَرَبِيَّةٍ لِلتَّقْيِيمِ تُعِينُ صُنَّاعَ الْقَرَارِ وَالْمُرَبِّينَ وَالْإِعْلَامِيِّينَ.
أَيُّهَا السَّادَةُ،
أنا أَعْلَمُ أَنَّ الطَّرِيقَ طَوِيلٌ، وَأَنَّ مَوَارِدَنَا لَيْسَتْ بِغَيْرِ حَدٍّ، وَلَكِنِّي عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ قَرَارَ الْإِرَادَةِ هُوَ مِفْتَاحُ الْمَوَارِدِ. إِنَّ انْتِخَابَكُمْ لِي رِسَالَةُ ثِقَةٍ أَتَلَقَّاهَا بِامْتِنَانٍ، وَأَعِدُ بِأَنْ أَكُونَ صَوْتًا لِلْعَمَلِ لَا لِلتَّنْظِيرِ؛ وجِسْرًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُطَوِّرِينَ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالطُّلَّابِ؛ وَبِأَنْ أَظَلَّ وَفِيًّا لِمَقُولَةٍ نُؤْمِنُ بِهَا: اللُّغَةُ لَا تُصَانُ بِالشِّعَارِ، بَلْ بِالْمُمَارَسَةِ وَالْمِعْيَارِ.
وَاسْمَحُوا لِي، فِي الخِتَامِ، أَنْ أَخُصَّ بِالشُّكْرِ أُسَاتِذَتِي الَّذِينَ عَلَّمُونِي أَنَّ سَلَامَةَ الْعِبَارَةِ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ سَلَامَةِ الْفِكْرَةِ، وَأَنَّ حَرَارَةَ اللُّغَةِ مِنْ حَرَارَةِ الْقَلْبِ. وَأُجَدِّدُ الْعَهْدَ: أَنْ أَضَعَ خِبْرَتِي الْمُتَوَاضِعَةَ فِي خِدْمَةِ رِسَالَةِ الْمَجْمَعِ، وَأَنْ أَعْمَلَ مَعَكُمْ عَلَى أَنْ تَبْقَى الْعَرَبِيَّةُ لُغَةَ عِلْمٍ وَجَمَالٍ وَعَدْلٍ؛ تَأْخُذُ مَكَانَهَا الْحَقَّ فِي زَمَنِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، لَا بوصفها مَوْرُوثًا نَحِنُّ إِلَيْهِ، بَلْ بوصفها مُسْتَقْبَلًا نُصْنَعُ بِهِ.
جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا على ما قدمتم وتقدمون للعربية، وَشُكْرًا لِثِقَتِكُمُ الْكَرِيمَةِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

أسماء المرشحين لامتحان الكفاية في اللغة العربية الذي سيعقد يوم السبت الموافق 20/9/2025م

أسماء المرشحين لامتحان الكفاية في اللغة العربية الذي سيعقد يوم السبت الموافق 6-9-2025م

أسماء الناجحين في امتحان الكفاية في اللغة العربية الذي عقد أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء الموافقين ٢٥-٢٦-٢٧/ ٨/ ٢٠٢٥م

إعلان توظيف

للتقدم انقر هنا

أسماء المرشحين لامتحان الكفاية في اللغة العربية

أسماء الناجحين في امتحان الكفاية في اللغة العربية الذي عقد يوم الاثنين الموافق 18-8-2025م

أسماء المرشحين لامتحان الكفاية في اللغة العربية الذي سيعقد يوم الاثنين الموافق ١٨-٨-٢٠٢٥م