كلمة الأستاذ الدكتور عبدالمجيد نصير
الزملاء الكرام-أعضاء مجمع اللغة العربية الأردني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو إليكم، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله.
فإنه ليسعدني أن أقدّم إليكم اليوم شخصية جمعت بين الخبرة العملية في مجال حوسبة اللغة العربية وتطبيقاتها الرقمية والبحث العلمي لتطويع التقنية في خدمة اللغة. الأستاذ مأمون الحطاب الذي تخرّج في جامعة الكويت عام 1984م حاملاً درجة البكالوريوس في العلوم، بتخصص الفيزياء وعلوم الحاسب الإلكتروني. ومنذ بدايات مسيرته المهنية أظهر اهتمامًا بالغًا بالجمع بين المعرفة النظرية والابتكار التقني، الأمر الذي أهّله لتأسيس وإدارة شركة متخصصة في حوسبة اللغة العربية.
ومنذ العام 1995م، انخرط الأستاذ الحطاب في مسار بحثي وتطبيقي متواصل هدفه الرئيس تطوير حلول تقنية تُسهم في إدخال اللغة العربية إلى فضاء المعرفة الرقمية. وقد أرسى مجموعة من أنظمة البنية التحتية الأساسية لحوسبة العربية، شملت: المحلل الصرفي، والمترجم الآلي لمصطلحات الأعمال، والمترجم العربي لطريقة برايل، والمدقق الإملائي، والمحلل النحوي. وهي من اللبنات الضرورية التي ساعدت على تهيئة البيئة التقنية للغة العربية.
ولم يقف عند الجانب التأسيسي، بل امتد نشاطه إلى التطبيقات العملية الموجهة إلى المستخدمين. فطوّر محرك البحث العربي، إلى جانب تطبيقات تواصل وترجمة مثل (Planet Chat)، وتطبيق (Khutbah.tech) لترجمة الخطب وإيصالها إلى جمهور عالمي، إضافةً إلى منصة (Subtitles.tech) التي تتيح إدماج الترجمة في المواد المرئية.
وعلى صعيد آخر، أسهم الأستاذ الحطاب في عدد من المشاريع ذات الطابع المجتمعي، لعل من أبرزها: مشروع طباعة المصحف الشريف بطريقة برايل، ومشروع طباعة المناهج المدرسية للطلبة المكفوفين، وكذلك تطوير محرك بحث خاص بالتشريعات وقرارات المحاكم الأردنية. وهي مبادرات تعكس حرصه على توظيف التكنولوجيا لخدمة المعرفة والعدالة وحقوق الفئات المهمشة.
وفي المجال البحثي، ساهم في إعداد مشروعات دراسات اللجنة الوطنية الأردنية للنهوض باللغة العربية نحو مجتمع المعرفة، إلى جانب عدد من الأبحاث المنشورة التي تناولت قضايا المعالجة الحاسوبية للغة العربية، ومنها اللغة العربية في القضاء الأردني وكليات الحقوق في الجامعات الأردنية، اللغة العربية في ميدان التواصل على شبكة الإنترنت والهاتف المحمول، ودليل الأبحاث المنشورة لحوسبة اللغة العربية. كما نشر أبحاثًا علمية في مجلات ومؤتمرات دولية حول النماذج الاحتمالية للجذور والأوزان العربية، والتحليل الصرفي العربي، وتقنيات البحث باللغة العربية.
وله مساهمات في عدد من المؤتمرات المحلية والمواسم الثقافية لمجمع اللغة العربية الأردني بأوراق بحثية حول حوسبة اللغة العربية وتطبيقاتها. وهو خبير دائم في لجنة اللغة العربية والتكنولوجيا، إحدى لجان هذا المجمع، ويساهم في تقديم أفكار ومشروعات هذه اللجنة. فضلًا عن مشاركاته في مؤتمرات عالمية منذ مطلع الألفية، كالمؤتمرات الدولية للغات الطبيعية التابعة للرابطة العالمية للغويات الحاسوبية، ومؤتمرات (IEEE) المتخصصة في تقنيات الحوسبة والاتصالات.
إن مسيرة الأستاذ مأمون الحطاب تمثل نموذجًا للتكامل بين البحث والتطبيق العملي، وبين خدمة المجتمع والابتكار التقني. فهي مسيرة تُظهر بجلاء كيف يمكن للغة العربية أن تتفاعل مع مستجدات العصر الرقمي، وأن تجد لها مكانًا فاعلًا في فضاء المعرفة العالمي إذا ما اقترنت بالإرادة والخبرة والرؤية الواضحة.
كلمة الأستاذ مأمون الحطّاب
الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت
رئيس مجمع اللغة العربية الأردني
أَصْحَابَ الْمَعَالِي وَالسَّعَادَةِ أَعْضَاءَ المَجْمَعِِ،
أُسَاتِذَتِي الْكِرَام، وَزُمَلَائِي الْأَفَاضِل،
السَّلَامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،
أَقِفُ الْيَوْمَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مُمتَنًّا وَمُتَوَاضِعًا أَمَامَ هَذَا الْقَرَارِ الْكَرِيمِ بِانْتِخَابِي عُضْوًا فِي هَذَا الصَّرْحِ الْعَرِيقِ. إِنَّهُ تَشْرِيفٌ يَسُرُّ الْقَلْبَ، وتَكْلِيفٌ يُحَمِّلُ الضَّمِيرَ مَا نرجو فيه عَوْنَ اللَّهِ ثُمَّ سَنَدَكُمْ. وأنا الذي نَشَأْتُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ أَدَاةٍ لِلتَّوَاصُلِ، بَلْ أُفُقاً لِلْوُجُودِ: بِحُدُودِهَا تَتَّسِعُ رُؤْيَتُنَا لِلْعَالَمِ أَوْ تَضِيقُ، وَبِسَلَامَةِ بَيَانِهَا يَسْتَقِيمُ الْفِكْرُ وَيَزْكُو الْوِجْدَانُ.
أَيُّهَا الْأَفَاضِلُ،
لَسْتُ الْيَوْمَ أَمَامَ عَمَلٍ بُرُوتُوكُولِيٍّ يُضَافُ إِلَى السِّيرَةِ الذّاتيةِ، بَلْ أَمَامَ عَهْدٍ مَعْرِفِيٍّ أجَدِّدُ بِهِ الْتِزَاميَ أَنْ تَكُونَ الْعَرَبِيَّةُ حَيَّةً فَاعِلَةً فِي زَمَنٍ صَارَ فِيهِ الْوَسِيطُ الْخَوَارِزْمِيُّ يَكْتُبُ عَنَّا، وَيَقْتَرِحُ لَنَا نَبْرَةً وَسَرْدًا، وَقَدْ يُوَجِّهُ خَيَالَنَا الْجَمْعِيَّ مِنْ حَيْثُ نَشْعُرُ أَوْ لَا نَشْعُرُ. وَمِنْ هُنَا فَإِنِّي أَتَلَقَّى هَذَا الِانْتِخَابَ عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِثَلَاثَةِ مَقَامَاتٍ:
أَوَّلًا: مَقَامُ الْخِدْمَةِ الْعِلْمِيَّةِ.
خِدْمَةُ الْعَرَبِيَّةِ عِلْميًّا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى تَحْقِيقِ النُّصُوصِ وَتَقْعِيدِ الْقَوَاعِدِ، بَلْ تَمْتَدُّ إِلَى بِنَاءِ أَدَوَاتٍ حَدِيثَةٍ تُعِينُ الدَّارِسِينَ وَالطُّلَّابَ وَالْمُجْتَمَعَ. وإِنَّني أرى أن وَاجِبَنَا الْيَوْمَ أَنْ نُطْلِقَ مَسَارَاتٍ عَمَلِيَّةً تُبْقِي اللُّغَةَ فِي قَلْبِ الْحَيَاةِ: مُدَوَّنَاتٍ لُغَوِيَّةً مُوَثَّقَةً، وَمِنَصَّاتٍ مُعْجَمِيَّةً مَفْتُوحَةً، وَمَعَايِيرَ دَقِيقَةً لِتَقْوِيمِ النُّصُوصِ الْمُوَلَّدَةِ آلِيًّا بِالْعَرَبِيَّةِ. فَسَلَامَةُ النَّحْوِ وَالصَّرْفِ جُزْءٌ مِنَ الصُّورَةِ، أَمَّا اكْتِمَالُهَا فَبِأَنْ نَحْفَظَ رُوحَ النَّصِّ وَمَرْجِعِيَّتَهُ.
ثَانِيًا: مَقَامُ الْوَصْلِ بَيْنَ التُّرَاثِ وَالْمُسْتَقْبَلِ.
التُّرَاثُ لَيْسَ مُتْحَفًا نُطَالِعُ فِيهِ الْمَاضِيَ، بَلْ هو رَافِعَةٌ مَعْرِفِيَّةٌ نُدِيرُ بِهَا الْحَاضِرَ وَنَبْنِي بِهَا الْآتِي. وعَلَيْنَا أَنْ نَقْرَأَ الْقَدِيمَ بِعُيُونٍ مُعَاصِرَةٍ، وَأَنْ نُدْخِلَ نِتَاجَنَا الْيَوْمَ فِي سِلْسِلَتِهِ الممتدةِ مِنْ بَيْتِ الْحِكْمَةِ إِلَى منْصَّاتِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ. وَإِذَا كَانَتِ الْمَطَابِعُ قَدْ نَقَلَتِ الْعَرَبِيَّةَ مِنَ الْمَخْطُوطِ إِلَى الْمَطْبُوعِ، فَإِنَّ وَاجِبَ جِيلِنَا أَنْ يَنْقُلَهَا مِنَ الْوَرَقِ إِلَى الْخَوَارِزْمِية، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَفْقِدَ حَرَارَتَهَا الْإِنْسَانِيَّةَ.
ثَالِثًا: مَقَامُ السِّيَادَةِ الْمَعْرِفِيَّةِ (صِيَاغَةُ سَرْدِيَّتِنَا بِامْتِلَاكِ تِقْنِيَّتِنَا).
إِنَّ أَخْطَرَ مَا فِي زَمَانِنَا لَيْسَ وَفْرَةَ الْأَدَوَاتِ، بَلْ أَنْ نَسْتَعْمِلَ أَدَوَاتِ غَيْرِنَا فَنَسْتَعِيرَ مَعَهَا سَرْدِيَّتَهُمْ، وَنَسْمَحَ، مِنْ حَيْثُ لَا نَقْصِدُ، بِأَنْ تُصَاغَ رُؤْيَتُنَا لِلْعَالَمِ بِغَيْرِ لِسَانِنَا وَمَرْجِعِيَّتِنَا. والسِّيَادَةُ الْمَعْرِفِيَّةُ هُنَا لَيْسَتْ لَائِحَةً تَقْنِيَّةً بِمَا يَنْبَغِي امْتِلَاكُهُ تَفْصِيلًا، بَلْ هِيَ مَبْدَأٌ مُوَجِّهٌ: أَنْ تَكُونَ تِقْنِيَّتُنَا امْتِدَادًا لِوَعْيِنَا، وَأَنْ تَكُونَ سَرْدِيَّتُنَا مِنْ صُنْعِنَا لَا مَنْقُولَةً إِلَيْنَا. فَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَصْحَابَ تِقْنِيَّةٍ تُنْطِقُ الْعَرَبِيَّةَ بِرُوحِهَا وَتَارِيخِهَا وَتَعَدُّدِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَظَلَّ الْعَرَبِيَّةُ، عِنْدَ غَيْرِنَا، ظِلًّا لُغَوِيًّا بِلَا عُمْقٍ دَلَالِيٍّ. لِذَلِكَ، أُجَدِّدُ الْعَهْدَ أَنْ أَعْمَلَ، مَعَكُمْ وَبِكُمْ، عَلَى أَنْ تَكُونَ خَيَارَاتُنَا التِّكْنُولُوجِيَّةُ خَادِمَةً لِسَرْدِيَّتِنَا لَا الْعَكْسَ؛ وَأَنْ نُحْسِنَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ التِّقْنِيَّةَ لِيُعَبِّرَ عَنْ ذَاتِهِ، وَمَنْ تَسْتَعْمِلُهُ التِّقْنِيَّةُ لِتُعِيدَ تَشْكِيلَ ذَاتِهِ.
يَا سَادَتِي الْأَكَارِمَ،
إنَّ تَقْوِيمَ الْأَدَاءِ الْآلِيِّ بِالْعَرَبِيَّةِ يَقْتَضِي بُعْدَيْنِ مُتَكَامِلَيْنِ: بُعْدًا شَكْلِيًّا/تِقْنِيًّا يَزِنُ التَّمَاسُكَ وَالدِّقَّةَ وَمُعَدَّلَاتِ الْهَلْوَسَةِ وَفَهْمَ اللُّهَجَاتِ، وَبُعْدًا حَضَارِيًّا/مَعْنَوِيًّا يَخْتَبِرُ الْوَفَاءَ الثَّقَافِيَّ وَالْحَسَّاسِيَّةَ الدِّينِيَّةَ وَالْأَصَالَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ وَشَخْصِيَّةَ نَّمُوذَجِ الذكاء الاصطناعي. وَأَرَى أَنَّ مَجْمَعَنَا قَادِرٌ عَلَى تَحْوِيلِ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ إِلَى مَرْجِعِيَّةٍ عَرَبِيَّةٍ لِلتَّقْيِيمِ تُعِينُ صُنَّاعَ الْقَرَارِ وَالْمُرَبِّينَ وَالْإِعْلَامِيِّينَ.
أَيُّهَا السَّادَةُ،
أنا أَعْلَمُ أَنَّ الطَّرِيقَ طَوِيلٌ، وَأَنَّ مَوَارِدَنَا لَيْسَتْ بِغَيْرِ حَدٍّ، وَلَكِنِّي عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ قَرَارَ الْإِرَادَةِ هُوَ مِفْتَاحُ الْمَوَارِدِ. إِنَّ انْتِخَابَكُمْ لِي رِسَالَةُ ثِقَةٍ أَتَلَقَّاهَا بِامْتِنَانٍ، وَأَعِدُ بِأَنْ أَكُونَ صَوْتًا لِلْعَمَلِ لَا لِلتَّنْظِيرِ؛ وجِسْرًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُطَوِّرِينَ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالطُّلَّابِ؛ وَبِأَنْ أَظَلَّ وَفِيًّا لِمَقُولَةٍ نُؤْمِنُ بِهَا: اللُّغَةُ لَا تُصَانُ بِالشِّعَارِ، بَلْ بِالْمُمَارَسَةِ وَالْمِعْيَارِ.
وَاسْمَحُوا لِي، فِي الخِتَامِ، أَنْ أَخُصَّ بِالشُّكْرِ أُسَاتِذَتِي الَّذِينَ عَلَّمُونِي أَنَّ سَلَامَةَ الْعِبَارَةِ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ سَلَامَةِ الْفِكْرَةِ، وَأَنَّ حَرَارَةَ اللُّغَةِ مِنْ حَرَارَةِ الْقَلْبِ. وَأُجَدِّدُ الْعَهْدَ: أَنْ أَضَعَ خِبْرَتِي الْمُتَوَاضِعَةَ فِي خِدْمَةِ رِسَالَةِ الْمَجْمَعِ، وَأَنْ أَعْمَلَ مَعَكُمْ عَلَى أَنْ تَبْقَى الْعَرَبِيَّةُ لُغَةَ عِلْمٍ وَجَمَالٍ وَعَدْلٍ؛ تَأْخُذُ مَكَانَهَا الْحَقَّ فِي زَمَنِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، لَا بوصفها مَوْرُوثًا نَحِنُّ إِلَيْهِ، بَلْ بوصفها مُسْتَقْبَلًا نُصْنَعُ بِهِ.
جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا على ما قدمتم وتقدمون للعربية، وَشُكْرًا لِثِقَتِكُمُ الْكَرِيمَةِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.