استضاف مجمع اللغة العربية الأردني ضمن سلسلة لقاءاته الفكرية والثقافية المفكر العربي الأستاذ الدكتور رضوان السيد من الجمهورية اللبنانية في تمام الساعة الرابعة من مساء يوم الأحد الموافق 20/ 11/ 2016م، الذي حاضر حول التفكير بالدولة: السياسة والسياسة الشرعية في المجال الإسلامي، فتناول التسلسل التاريخي الذي ظهرت فيه معالم لفظة السياسة من حيث تعريفها من المفرد إلى المصطلح، واستخدامها في المجال الإسلامي في التعبير عن فنون إدارة المدنية أو الدولة أو الشأن العام مورداً تعريفات العلماء والمفكرين لها عبر التاريخ بدءاً بأفلاطون وأرسطو ومروراً بالكندي وابن رشد وانتهاء بالفارابي. إلى أن يصل إلى مفهوم السياسة الشرعية التي دار نقاش العلماء حولها في القرنين الرابع والخامس، فقال: ” إنّ هذا النقاش الذي دار في القرنين الرابع والخامس بين الفقهاء، أي الشافعية من جهة، والحنابلة والمالكية والحنفية من جهةٍ أُخرى، يبدو في ظاهره نقاشاً في أمرين اثنين: كيف يمكن تحقيق العدالة والمصلحة معاً، ومن الذي يحدّد ذلك القضاءُ أم موظفو الدولة- ومدى حرية السلطة في التصرف عندما يتعلق الأمر بوجود نصٍ أو حُكْم شرعيٍّ أوعدم وجوده. وفي الظاهر أيضاً أنّ الاختلاف كانت له أُصول فقهية وقانونية ليست لها علاقة مباشرة بالمسائل السياسية والعامة. فالأحناف لديهم أصل الاستحسان، والمالكية والحنابلة لديهم أصلُ المصلحة ويمكنُ لهم التوسُّع في اعتبارهما، وما كانت لدى الشافعية إحدى الإمكانيتين باعتبار أصولهم للاستنباط والاجتهاد حتى مطالع القرن الخامس الهجري”.
وأضاف: ” ولذلك لا بُدَّ من رؤيةٍ جديدةٍ من الطرفين: القضاة والسياسيين لمسألتي مهمات السلطة الشرعية، وطرائق تحقيق العدالة.”
ومضى في تعريف المفاهيم المتعلقة بالسياسة الشرعية كالملك السياسي والسلطنة بالسياسة الشرعية وتطور مدلولاتها، وفق آراء أئمة الأمة ومفكريها، فقال: ” لقد كانت مقولة “السياسة الشرعية” في المصطلح والمفهوم إنجازاً مشتركاً بين المتفلسفة وكُتّاب الديوان وكُتّاب نصائح الملوك والفقهاء. وهي تعبِّر عن مزيدٍ من الانسجام والتنسيق بين الفقهاء ورجالات الدولة. وقد ظهر تذمر الفقهاء في القرن الرابع من تغوُّل الوُلاة وأهل السلطة على الناس بما يتجاوز ما تطلبه الشريعة من عقوبات”.
وأضاف: “وقد أدّت ” السياسة الشرعية” إلى تقوية التنسيق وانتظامه بين السلطات والفقهاء في الأزمنة الجديدة التي تضاءلت فيها الخلافة، وارتفع شأن السلطنات. ولا ينبغي أن ننسى أنّ المماليك اعترفوا رسمياً بالمذاهب الفقهية(السنية) الأربعة، وعيّنوا منها قُضاةً في سائر الأمصار، إضافةً إلى تولّي هؤلاء التدريس بالمدارس والإشراف على أَوقافها. لقد توازت مقولة السياسة الشرعية إذن مع السيطرة الفقهية على المدارس والأوقاف. ثم في مقابل تواري الخلافة تماماً، جاء الاعتراف المملوكي بالمذاهب الفقهية الأربعة. وهكذا فإنّ فكرتي الفصل بين الشأنين الديني والسياسي استقرت تماماً، وظلت السياسة لأرباب السيوف، مع ضرورات التنسيق مع أرباب الأقلام فيما يخصُّ ممارسة أعمالهم، والعلائق مع المجتمع والعامة”
وتابع: “أما عودة السياسة الشرعية إلى عناوين كتب نظام الحكم في العقود الأخيرة وبالطريقة الجديدة القاطعة فيعود لأمرين: نشوء علاقة وثيقة بين الإحيائيتين الإسلاميتين المسيطرتين الإخوانية والسلفية. ومن المعروف أنّ الإحيائية السلفية تفضّل العنوان تبعاً لتراثها. والأمر الثاني أو السبب الثاني إيثار بعض المؤلفين العقائدين لهذا العنوان على سبيل الاحتجاج والمقابلة بين السياسات العلمانية والسياسة الشرعية”
وانتهى إلى مفهوم السياسة الشرعية في الأزمنة الحديثة، فقال: ” أما اليوم؛ فإنّ الأمة تَغَصُّ بمدّعي الإمامة من ذوي الشوكة والسكّين، كما تغصُّ بفقهاء الفضائيات والميليشيات. أمّا الغائب الأكبر عن المشهد فهو الجماعة والأمة والتي كانت الإدارة الصالحة والعادلة لشؤونهما السياسية هي الهمُّ الأكبر لسياسيي وفقهاء السياسة الشرعية. فيا للعرب ويا للإسلام!”
